أمة
يراد لنجمها أن يأفل هل
تشفع لنا الاسلحة المكدسة التي كلفتنا
المليارات؟
إن موقعها الجغرافي الذي تمتد رقعته على أجزاء
شاسعة من قارتي أفريقيا وآسيا، وما يشتمل عليه من بحار
وأنهار ومنافذ برية وبحرية، جعل هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية عالميا.
كما ساعد تنوع مناخ هذه المنطقة ومرور ومصب الأنهار المهمة في أرضها على خصوبة واتساع رقعة الزراعة في معظم
أجزائها. هذا إلى جانب ما أنتجته هذه الأرض مؤخرا من ثروات
طبيعية تمثلت في المعادن كالبترول ومشتقاته والحديد والنحاس وغيرها. إن هذه الثروة
المادية لهذه الوحدة الجغرافية الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي،
تتوازى جنبا إلى جنب مع ثروة بشرية تجمع بينها، إلى حد بعيد، وحدة التاريخ واللغة والدين، وكذلك تنتمي إلى
ثقافة حضـــارية واحدة هي الحضارة الإسلامية. كل هذه المميزات التي بإمكانها أن تجعل منطقتنا
العربية نجمة تتلألأ في الأفق لتضيء
العالم نورا كما كان ماضيها التليد، لم تتح لها الفرصة لاكتمال مشاريع النهوض. فمنذ أن وطأت أقدام الغزاة أرضها،
توالت عليها النكبات الواحدة تلو الأخرى، والتي انتهت
إلى تقسيمها إلى دويلات ضعيفة وضعت حدودها قصرا ورسمت بعناية لتكون مرشحة لتفتيتها مرات ومرات، متى وجد
'الاستعمار'، أو إن شئت قل الاستعباد، فرصة سانحة لذلك،
مدفوعا بأطماعه في الهيمنة، إمعانا منه في إبقاء هذه المنطقة عاجزة عن استغلال مقدراتها ومقومات نهوضها. وقد
دأبت القوى الإمبريالية، على أن تجعل السيادة على العالم
حكرا على المنظومة المسيحية الغربية، فهي تنظر للشعوب الأخرى نظرة دونية،
اعتقادا منها أنها تتفوق عرقيا على بقية شعوب العالم، خاصة العالم الإسلامي. لا شك أن هناك الكثير من العوامل الذاتية التي
ساعدت هؤلاء الطامعين على تحقيق أهدافهم، وهذا
الأمر قد لا يقل أهمية عن العامل الخارجي، وقد يكون له مستقبلا، موضوع آخر
يستوفي حقه من الشرح والتحليل، ولكن ما يجعل إعطاء الأولوية للعامل الخارجي هو الشعور بأننا أصبحنا اليوم
نواجه هجمة بربرية وحشية لا إنسانية دخلت بيــوتنا وشملت
قوتنا وقيمنا وديننا، فهي لذلك تستوجب وحدتنا وتضامننا ونسيان اختلافاتنا وخلافاتنا. وعلينا جميعا كشعب عربي
وحكومات أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة لنيل استقلالنا
والمسك بزمام أمورنا وصون ثرواتنا وكرامتنا، متخذين من أخطاء الماضي عبرة لتجنب الإخفاق والفشل، ثم يأتي بعد
ذلك الحساب والمساءلة لكل من يتواطأ أو يتقاعس. وللتدليل على تجارب نهضوية سابقة تم إجهاضها، يمكن
البدء بمشروع محمد علي في القرن 19، حيث
سعى للأخذ بكل الأسباب التي من شأنها أن تجعل مصر في مصاف الأمم المتقدمة،
فأرسل البعثات إلى أوروبا وبنى جيشا قويا، كما راودته الآمال في السعي لإنشاء دولة عربية موحدة، ومهما كانت دوافعه
تجاه المشروع الوحدوي، غير أن هذا المشروع تم
إجهاضه، ثم توالت الترتيبات كي لا يتسنى لأحد استنساخه، ولضمان أن تبقى هذه الأمة مفككة، وضعت الترتيبات موقع
التطبيق. في مقالة له في جريدة 'القدس العربي'
الصادرة يوم -9-9 2010 ، يشير د. نصر شمالي إلى رسالة بعثها وزير خارجية بريطانيا بالمرستون إلى سفير بلاده في
الأستانة بتاريخ 11- 8- 1840. جاء فيها ما يلي :'توجد في هذه الأيام بين اليهود المبعثرين في
أوروبا فكرة قومية فحواها أن الوقت أوشك
أن يحل كي [تعود أمتهم] إلى فلسطين، فإذا أتيح للشعب اليهودي أن [يعود]، بموافقة السلطان العثماني وحمايته،
فإنه سيشكل حاجزا أمام أي مشروع شرير قد يقدم عليه محمد
علي أو خليفته'. وتماشيا مع هذا الهدف، فقد اجتمع في لندن عام 1905
أعضاء الدول الاستعمارية، ممثلة في كل من بريطانيا
وفرنسا واسبانيا والبرتغال وإيطاليا وهولندا وبلجيكا،
وذلك بدعوة من رئيس وزراء المستعمرات البريطانية حينذاك، هنري كامبل بنرمان، واستمرت مناقشات المؤتمر الذي حضره
المفكرون والفلاسفة والسياسيون من الدول المعنية، حتى عام
1907، حيث خرجوا بوثيقة سرية عرفت 'بوثيقة كامبل'، نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني سالف الذكر. وأهم ما جاء في تلك الوثيقة، هو ضرورة إنشاء كيان بشري غريب، بحيث يكون حاجزا قويا يفصل
بين بلدان المنطقة العربية في أفريقيا عن تلك التي
في آسيا، وعلى أن يكون هذا الكيان معاديا للعرب ومعتمدا على الغرب. مع الحرص على أن تبقى المنطقة العربية
ضعيفة ومفككة (للمزيد حول هذا الموضوع أنظر كتاب د. أحمد
نوفل 'دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي' 2007). وفتحت هذه الاتفاقيات الباب لضعاف النفوس على
مصراعيه، ليجد الكيان الصهيوني فرصته للانقضاض على السيادة العربية في بلدان
عربية أخرى.
وكانت دولة العراق من ضمن الدول التي وقفت ضد مشاريع التسوية مع
الكيان الصهيوني وهي الدولة القوية في المنطقة التي استغلت ثرواتها في بناء دولة
حديثة ناهضة مستقلة. فتعرضت للإغراءات الخبيثة أحيانا وللاستفزازات المقيتة
أحيانا أخرى ثم التوريط والابتزاز من قبل المستعمر وأعوانه، فانقضت عليها قوى الشر ظلما فدمر هذا القطر العربي
الذي وقف وقفة الأبطال والكرامة حكومة وشعبا، فأفشل
مشاريع العدو التوسعية وما زال العراق يدفع ثمن الكرامة العربية، ممثلة في
مقاومته البطلة التي تركت تواجه تلك الجرائم بمفردها. ولكن، ورغم ذلك، مازال شبح التقسيم يطل بوجهه القبيح ليجعل من
أبناء الوطن الواحد جماعات متناحرة، وما ذلك إلا
جزء بسيط من الأهداف الخطيرة التي حددها أعداء الأمة. يشير د. نوفل (2007) إلى اقتراح المؤرخ الصهيوني
برنارد لويس نشر عام 2003 ويتضمن تقسيم دول
الشرق إلى أكثر من 30 دويلة إثنية ومذهبية وطائفية، تكون عرضة للخلافات الطائفية والمذهبية والصراع على النفط
والمياه والحدود والحكم، ومن شأن ذلك، كما يرى، أن
يضمن لإسرائيل التفوق في الخمسين عاما القادمة كما يضمن مصالح أمريكا. وهذا ما يفسر سعي الحركة الصهيونية إلى
تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والمذهبية وتشجيعها
على التمرد، لاستغلالها ضد المشاريع الوحدوية. هكذا يراد للعرب أن يكون مصيرهم
فإن بدأوا الآن بتدمير أقوى من فيهم لا يعني ذلك أن لا يأتي الدور على الباقي منهم، ووقتها لن تشفع لنا
الأسلحة المكدسة التي كلفتنا المليارات من الدولارات، بقدر
ما هي تعتبر صيدا ثمينا يستفيد منها العدو في تخفيف أزماته الاقتصادية. كل شيء محارب في هذه الأمة، حتى رموز وحدتها، وإلا
ماذا يعني الإصرارعلى إلغاء نجوم احتوتها أعلام
أقطارعربية (مصر بعد كامب ديفيد والعراق بعد الاحتلال) للتعبير عن تطلعها لبدء تحقيق وحدتها مع أقطارعربية أخرى؟ |