كيف ُيجيَش البشر دون وعي منهم نحو منزلقات التطرف ؟

 

 

نحن بحاجة اليوم إلى إضفاء البعد الإنساني لإنسانية تمضي نحو حتفها، إن الرؤية الإنسانية المغلقة التي تسقط حق الآخر في الاختلاف محاولة فرض هويتها وثقافتها ونموذجها دون أدنى اكتراث بخصوصية الآخر لهي بيئة خصبة لنمو التطرف. فالناظر لخارطة العالم اليوم يؤلمه هذا الصوت الناشز عن المعنى الإنساني والمتمثل بالتطرف والبعيد كل البعد عن كنه الرسالات السماوية. انه لا قيمة للنفس البشرية فيه . والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما أسباب التطرف؟ وكيف يمكن معالجته ؟                         

 

لعلاج أي ظاهرة علينا سبر أغوارها لمعرفة العلة وليس المعلول، الأسباب وليس النتيجة وبالتالي فإن التشخيص السليم نصف العلاج. لكن ما الذي يجري اليوم؟ كيف يتم التعامل مع التطرف ؟                                                                   

الملاحظ في عالمنا اليوم التعامل مع التطرف بالتطرف، والإرهاب بالإرهاب، مما يشعل فتيل التوترات ويدفع بالبشرية نحو هاوية سحيقة من الدمار، إنه التعامل الخاطئ الذي يكتفي بالنتيجة دون معالجة الأسباب. فهل من مصلحة ما وراء هذه النظرة الجزئية والعيون نصف المغمضة التي تكتفي بالنتائج دون الأسباب؟ ولمصلحة من؟    

في الحقيقة أن الأحداث المتتابعة في العالم توضح لنا المزيد من السيطرة الأمريكية على الكرة الأرضية بحجة الحرب على الإرهاب،  فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعالم يسير شاء أم أبى وفق رؤية الإدارة الأمريكية, فبحجة الحرب على الإرهاب يتم تعطيل دور الأمم المتحدة، بحجة الحرب على الإرهاب يتم التدخل في شئون الدول التي من المفترض أنها مستقلة وذات سيادة, بحجة الحرب على الإرهاب يتم تدمير أقدم حضارات الكون، بحجة الحرب على الإرهاب يتم الاعتداء على الحريات الدينية والتدخل السافر في الناهج الدراسية للدول الإسلامية. بينما في المقابل نرى إن المناهج الدراسية والإعلام الأمريكي والغربي يعج بالصور المسيئة التي تغذي الكراهية والحقد ضد الإسلام والمسلمين. هذا في وقت الإنسانية أحوج ما تكون لرسالة إعلامية أسمى وأنبل لبذر قيم العدالة والإخاء والسلام بين الشعوب.                      

إن مقارعة الإرهاب بالإرهاب لا تقدم حلا ولا علاجا للوضع المتأزم بل تزيده تأزما مما "يفضي إلى عالم دموي مجنون" . وعلاج ذلك لا يكون إلا باستئصال التطرف من جذوره، وذلك يكون بسيادة العدل والقيم والأخلاق على أي صوت آخر، عندها تنتفي همجية المصالح التي تخدم فئات محددة من الانتهازيين والمتاجرين بالأسلحة في الشرق والغرب الذين لا يتوانون عن زهق الأرواح البشرية خدمة لمصالح وأغراض شخصية، وسيادة القيم والأخلاق بالطبع يتعدى الأفراد إلى سياسات الدول في تعاملها مع الدول الأخرى وذلك لن يتأتى إلا "برؤية إنسانية أكثر اكتمالا"، تعترف بحق الآخر في الاختلاف، تحترم هويته ورموزه وثقافته . ويجب التشديد هنا على موضوع الهوية فعندما يشعر الإنسان أن الآخر يمثل تهديدا لهويته فكل ما يقوم به لصد هذا التهديد يبدو له مباحا ومشروعا تماما وعندها يبدأ بشحذ أسلحة المقاومة الداخلية" الوجدانية"        

والخارجية لحماية هويته في وجه الإعصار القادم من وجهة مختلفة مهما كلفة ذلك من ثمن، لذا فإن العزف على وتر الهوية والتلاعب به لأمر حساس جدا ومقدس جدا وأنه لمن دواعي الحكمة عدم الاستخفاف أو التلاعب به لأن ذلك حتما سيفضي إلى انتفاضة هادرة ضد إقصاءه أو محوه، ولتسمى هذه الانتفاضة مقاومة أو تطرف أو إرهاب حسب الشكل الذي تتبعه إلا أنها بالتأكيد إفراز لتطرف آخر في الاستبداد والاستكبار والهيمنة ، لذا فإن التطرف الإسلامي رد فعل للتطرف الأمريكي والصهيوني، فمتى ما شعر الإنسان بأن وطنه مستباح وحقوقه مسلوبة ورموزه محاربة إذاً، طالما أن الرؤية الإنسانية تعاني نقصا حادا في العدالة والقيم والأخلاق سوف يستمر تجييش البشر نحو منزلقات التطرف. 

                                                                          

ميسون سالم القاسمي


تعليقك

تعليقات القراء:

من المهم ان نعرف نحن العرب اين هو موقعنا من هذه الحرب المعلنة على الارهاب فالمتتبع لسلسلة الاحداث منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر يدرك لاهداف الحقيقية للصراع المعلن و الخفي. الذي يتمثل في هدف واحدالا وهو الهيمنة و السيطرة على مقدرات الامم بغض النظر عن الاهداف الثانوية الملحقة بالاجندة الخاصة للدول الاخرى التي تدور في فلك القطب الاوحد . هل على العرب طأطأة الراس و قبول الامر الواقع و تبني تلكالتوجهات و محاربة نفسها بنفسها؟؟ ام ان عليها وضع اهداف من منظور خاص ضمن الخطر المحق بها كدول و مؤسسات وافراد ؟؟ لا احد ينكر دور الجماعات المتطرفة في توسيع الفجوة بين النظرة الموضوعية للصراع الازلي بين الشرق و الغرب. الا ذلك لا يستدعي الانقضاض على الذات، بل انه من الاجدى استيعابه و تحويله الى ناحية ايجابية خادمة للوجود العربي على الساحة الدولية. و في مواجهة التحديات. لكن البعض يظن ان خير السبل و اقصرها او اقلها كلفة، هو الانقضاض و الذي لا اظن انه خير الحلول واسلمها .   الاسم sam d

العنوان البريدي doulail@yahoo.com