قصة:
الأستاذ
السفير محمد
شكر
ارتفع
صوته وتملكه
الغضب، كان
يتنفس
بصعوبة،
والكلمات
تتناثر من
فمه: إن ما جرى
لهند ليس
وهما. ً وقد
يجري
لبناتكم
أيضاً. هذه
هي
الحقيقية
المرة،
الحقيقية
التي تهدد
وجودنا، قال
ذلك ونظراته
الحادة
تلاحق عيون
الأهل
والأصدقاء
الذين
تجمهروا عند
باب منزله
وهم ينصتون
بحزن إلى صرخات
هند
الهستيرية.
كانت
الآنسة هند،
كريمة احد
موظفي دائرة
الهجرة برأس
الخيمة تأمل
أن تصل إلى
منزل والدها
في الثانية
ظهرا،
لتناول وجبة
الغذاء مع
أسرتها،
وذلك بعد يوم
حافل
بواجبات
التدريس. وبعد
أن راجعت أوراق
الإجابات
وصححت ما ورد
فيها من
أخطاء، ألقت
نظرة إلى
عقرب الساعة،
كانت الساعة
تشير إلى
الواحدة
ظهرا، حملت
حقيبتها وخرجت
من المدرسة
بسرعة،
وتوجهت إلى
مواقف
السيارات،
فتحت باب
سيارتها
ووضعت
حقيبتها في
المقعد
الخلفي،
جلست بجانب
المقود،
أحكمت حزام
الأمان، وأدارت
مفتاح
المحرك.
تحسست
أزرار
المكيف،
أدارت
الأزرار
لتلطيف الحرارة.
كانت حرارة
السيارة
مرتفعة
كارتفاع
تنور والدتها
عندما تشوي
السمك. فكرت
في موعد
الغذاء،
وعلى عجلة من
أمرها فكت
المكبح
اليدوي
وقادت
سيارتها في
شارع مضمور
بوهج الشمس.
كانت
الشوارع
مزدحمة،
وهدير
السيارات
مرتفع،
وحركة
المرور
متباطئة،
والعربات تتماوج
بألوانها
الفاقعة
وتطل منها
وجوه غريبة
متعبة،
مقطبة
الجبين
طافحة
بالعرق الممزوج
بروائح
الجروت
والبان. شعرت
هند بتوتر
عصبي خفيف
فأدارت زر المذياع تبحث
عن موسيقى
هادئة. كانت
محطات البث
المحلي تذيع
بالاردو.
والمليالم
وتتخللها
فواصل
إعلانية عن فوائد
البان
الأحمر. قادت
سيارتها إلى
عرض الشارع. وما
هي إلا دقائق
حتى توقفت عند
الإشارة
الحمراء. كان
الشارع
صاخباً،
فتحت علبة
الأشرطة
وتناولت
شريطاً
غنائياً،
وضعته في المسجل،
صدحت أغنية
آه يا لأخضر
يا زين. تغيرت
الإشارة
الضوئية إلى
اللون
الأخضر.
اندفعت هند
في المسار
البطئ ثم تجاوزت إلى
المسار
الأسرع. فاجأها
بسرعته
الزائدة .نظرت
في المرآة
الداخلية،
ثم في
المرآتين الجانبيتين،
بان شعر رأسه
الفاحم، كان شعراً
لامعا ً بفعل
جل الناريل.
كان يقود
البورش ذات
اللون
الكركمي
الفاقع، كانت
البورش
تلتهم إسفلت
الشارع
التهاماً،
التفت نحوها
وأشار لها أن
تخفف السرعة
وتتوقف. لم
تدرك بعد
معنى
الإشارة.
سارت لبضع
أمتار
وتوقفت عند
الإشارة
الحمراء.
توقف
بجانبها.
أدار
صوت
المذياع،
كانت تصدح
منه أغنية "
يا راكب
الكدلك،
قلبي بينده لك" ثم
تغيرت الأغنية
إلى " سلم ولو
بكف
الإشارة" ،
وما إن تغيرت
الإشارة حتى
اندفعت هند
بسرعة
جنونية
لعلها تجد
مخرجا أسرع. خاصة
وإنها تحفظ
الطريق من
مدرستها إلى
منزل والدها
عن ظهر قلب، ومع
تسارع
سيارتها،
تسارعت
نبضات
الداخل وتمازجت
وموجات البث
الخارجي حتى
غذت كدقات طبل
المرواس،
كانت
المسارات
الثلاثة
مزدحمة وحركة
المرور
بطيئة.
تريثت
قليلاً ثم
اندفعت إلى
الطريق
الدائري،
فزادت من سرعتها
قليلاً ... شعرت
بالراحة،
شرد ذهنها مع نغمات
الموسيقى وإيقاعات
المرواس. استرعى
انتباهها
انبعاث
غمزات
ضوئية، حركت
مرآتها،
لازال الضوء
يسلط نحوها،
خفضت
السرعة، فسحت
الطريق
للقادم من
خلفها، لم
يبد القادم
من خلفها
رغبة في
التجاوز،
ساورتها
الظنون،
ربما عيباً
في سيارتها،
أو لربما
يكون خللاً
في العجلات،
أو دخانا
كثاً ينبعث
من مؤخرة
السيارة.أبطأت
قليلاً،
أبطأ
سيارته، داست
البترول
وزادت من
سرعتها.
تقدمت
سيارته
نحوها بسرعة
حتى كادت
تلتصق بالواقي
الخلفي
لسيارتها.
اندفعت
بسرعة لتترك
مسافة أكبر
بين سيارتها وتلك
التي
تطاردها.. لكن
المسافة
بينهما ضاقت
لبضعة
أمتار، ظلت
عيناها
مشدودة ترصد ما
حولها. تنظر تارة
إلى الأمام
وتارة إلى من
يطاردها من
الخلف. ألقت
نظرة من خلال
المرايا. كان
من الصعوبة
عليها
بمكان،
تحديد ملامح
السائق، كان
السائق
يناور
بالإشارات
الضوئية ويطلق
العنان
لزمور
سيارته، أعادت
الكرة، مرة
تلو المرة، وبعد
جهد جهيد
تمكنت من
تحديد معرفة
رقم البورش.
إنه رقم
ثنائي مميز، يزين
سيارة صفراء
فاقع لونها،
ومن بين
مقعدها
الأمامي
الوثير،
إشرئبت رقبة
قصيرة تحمل
رأساً ذا وجه
أسمر وشعر
فاحم وعينان
براقتان
تنظران
نظرات
متطاولة، مال
الرأس
يميناً
ويساراً فاهتز
الشنب الكث،
أشار بيده،
حاولت هند تخفيف
السرعة قبل
الولوج إلى
الدوار، مفسحة
الطريق للقادم
من اليمين،
أبى إلا أن
يجعل
مدعميته تلتصق
بمؤخرة
سيارتها،
تريثت
قليلاً في انتظار
الفرصة
السانحة.
قالت لنفسها:
أهربي يا بنت! داست
البترول. اندفعت
سيارتها
بسرعة
جنونية، تخلصت
ولو مؤقتاً
من
المطاردة،
أخذت تلتقط أنفاسها،
استراحت من
عناء شد
الأعصاب، ما
هي إلا ثوان
حتى شد
انتباهها ضوءً
يلاحقها،
ارتفع صوت
الزمور, خففت
السرعة، خفف
سرعته،
أسرعت، لاحقها
مسرعاً،
أضاءت
الأنوار الأمامية
وغمازات
الطوارئ،
وأعطت
العنان لزمور
سيارتها
محاولة منها لاسترعاء
انتباه
المارة، لم
يأبه بها
أحد، ولم
يجيرها والد
ولا ولد. أخذت
منديلاً من ورق
ومسحت به ما
نضح من عرق،
اشتعل جوفها
واحترق، وأناملها
مابرحت
تداعب أزرار
الهاتف، لعل
أبويها
اللذان ينتظرانها
لتناول وجبة
الغذاء
يدركان ما
حصل لها في
عرض الشارع. ثقل
لسانها،
شعرت
بأمعائها
الفارغة
تتلوى كالتواء
الطريق المؤدي
إلى منزلها.
فكرت برهة ثم
ناورت بسرعة
للوصول إلى
المسار
السريع. السيارة
الصفراء ما
برحت
تلاحقها،
تلتصق بها
أكثر فأكثر،
خشت أن تضغط
على المكابح
كي لا تدعه
يصطدم بواقي
الصدمات
الخلفي
ويدفعها لا
سمح الله للتهور
في حادث
مروري مروع، تحسست
حزام
الأمان،
وقرأت آية
الكرسي
دفعاً لكل
مكروه، واندفعت
إلى الكيلو 140 السيارة
الصفراء
لازالت
تلتصق
بمؤخرة
سيارتها، داست
على البترول
حتى الكيلو 160.
لم تتمكن من
تقليص
المسافة بين
سيارتها
وتلك التي
تطاردها
ضغطت على كل
الأزرار،
أخذت
الأنوار
الأمامية
والخلفية
وغمازات
الطوارئ تضئ
وتتناغم مع صوت
الزمور. كانت
تأمل أن تلفت
انتباه
المارة، أو تلمحها
سيارة
الشرطة أو
النجدة أو
المرور، حتى
ولو سيارة
مطافئ.لكن يا للحسرة
! دون جدوى،
وبعد أن باءت
بالفشل
داست على
المكبح
فتوقفت
سيارتها
تماماً. فوقفت
السيارة
الصفراء
بجانبها،
غمز بعينيه
وأشار
بأصابعه إلى
التــلفون، فتح
باب سيارته
وترجل
نحوها، وعلى
حين غرة داست
هند على
البترول بقوة
فاندفعت
سيارتها إلى
الأمام ثم انعطفت
باتجاه الشارع
المؤدي إلى
منزل والدها. أصبحت
الآن تعرف
هذا الشارع
جيداً وتعرف
كل تفاصيله
وتعرجاته،
استغلت هذه
المعرفة لكن دون
جدوى،
فالسباق لا
زال قائماً.
دب الخوف في
أوصالها،
ارتعشت يديها،
تصبب العرق
من جسدها. تبللت
ملابسها،
قررت الذهاب
إلى نهاية
المشوار. اندفع
نحوها بسرعة جنونية،
أصبحت
سيارتهما بمحاذاة
بعضهما
البعض. خفف
السرعة وأخذ
يترنح يميناً
وشمالاً.
اندفع مرة أخرى
والتفت
يساراً حتى
أصبحت
سيارته أمام
سيارتها.
لوح
بيده،
طالباً منها
التوقف، فتوقفت
أمام باب
منزل والدها ....
فتح سايرته
وترجل في
اتجاه
سيارتها.
وبعد أن تأكد
بأنها
التقطت
الورقة،
أسرع بسيارته
حتى غاب عن
ناظريها...
نزلت من
سيارتها
والغيظ ينهش
فؤادها. جرت
باتجاه
الباب وهي
تتعثر مرات
ومرات وأمام
مرآة الحاضرين،
رمت جسدها
المثقل بالخوف
على الأرض،
أصيب والديها
بالذهول. أخذا
يهدئان من
روعها،
وحين أطمئنت
إلى أن أحداً
لن يلاحقها.
رمت تلك
الورقة
الملعونة,
طارت الورقة
كالصاروخ
وارتطمت في
عين والدها.
نظر الوالد
إلى تلك
الورقة
وعينه تقدح
شررا. قال
بصوت مرتفع :
ماذا حصل؟ وما
سر هذه
الورقة ؟ قالت
هند : إنه
يلاحقني منذ
أن خرجت من مدرستي
وكاد أن
يقتلني ..
قال
الوالد:
أتعرفين من
هو ؟ قالت هند:
لا أذكر إنني
رأيته من قبل.
حك والدها
رأسه الأصلع
ونظر في
الورقة. رأى
رقماً
مميزاً،
ارتدى
ملابسه
وتسلل بخطوات
سريعة إلى
مخفر الشرطة،
وفي الطريق
إلى المخفر بدأت تســـاوره
الوساوس،
فهذا الرقم
المميز لا بد
أن يكون لأحد
من أكابر
القوم. أخذت
الفكرة تكبر
شيئاً فشيئا. قال
في نفسه: ليس
من حق
الأكابر أن
يستحيوا
أعراض الناس
ظلما. ويطاردوا
بناتهم في
الشوارع.
أثارت هذه الوساوس
زوابعاً من
الحرج،
وأخذت ترسم
علامات
استفهام. دخل
مركز الشرطة. قام
الجميع
احتراما ً
لمدير الهجــرة،
بادر بتقديم
الشكوى. كان
الوقت يمر
بطيئاً. وكان
التحري
يتمحور حول
خصوصية ذلك
الرقم، وأخيراً
تم التعرف
على صاحب
الرقم. إنه ابن
مدلل لأحد
الجاليـــــات
الكبيرة،
بادر الشرطي
بالاتصال،
وطلب من المدعو
الحضــــور
إلى مخفر
الشرطة. قال
المدعو: لن
أحظر إلى
المخفر لأني
ببساطة لم
ارتكـــب
جرماً. دارت
مساجلات
طويلة. قال
المدعو:
سأبعث
محامياً
خاصاً نيابة عني
. أصر الضابط
على حضور
المدعو
وكفيل
المدعو. وفي
انتظار
الكفيل الذي
يأتي ولا يأتي.
جاءت
المفاجأة ...
ويا لهول
المفاجأة
عندما أعلن
أحد أفراد
التحريات
بأن موظف
الهجرة هو
الذي استقدم
والد المدعو
قبل عشرين
عاماً للعمل
في
متجره ومنذ
تلك اللحظة
أدركت هند إن
البلد قد ضاع
وأرادت أن لا تضيع
الفرصة
فقادت
سيارتها
بسرعة قصوى
عائدة إلى
المنزل قبل
فوات وجبة
العشاء.
تعليقك
|