ذكـرى رحيــل نــــازك

زينب المختار

في العشرين من حزيران من عام 2007 رحلت نازك عن عالمنا هذا، رحلت من أرض مصر وفارقت بغداد، رحلت بنت صادق وسلمى، رحلت ولم  ترحل حيث مازال صدى شعرها وكلماتها العبقة يتردد في مسامعنا ومازالت وستبقى تعبيراتها السجية  تشكل قمة في كل الأماكن والأزمان، رحلت رائدة من رواد الشعر الحر في الوطن العربي، رحلت وتركت لنا عاشقة الليل ونغماته الطرية الحزينة.

بعض ما يصاحبنا من دواوينها: شظايا ورماد، للصلاة والثورة، شجرة القمر.... ودواوين أخرى كثيرة، بالإضافة إلى كتب في النقد والأدب.

أشعارها فيها شجن ممتع، شجن ينساب بسلاسة إلى الروح. ينم أسلوبها عن تفكير عميق وأحيانا ربما  نجد فيه ميلا إلى الفلسفة، كلماتها تعكس المشاعر والمعاناة الإنسانية بعمق ودقة.

نازك لم تكن عراقية فحسب، كانت عربية شامية ومصرية ومغربية، تنتعش كلماتها بين أبناء العرب من المحيط إلى الخليج. كان لها حس وطني ووعي قوي بمشاكل الشعب العربي فقد  كتبت قصيدة الكوليرا تعبر فيها عن معاناة الشعب المصري بسبب وباء الكوليرا الذي حل في مصر آنذاك.

تشكل نازك أحد الأمثلة الشامخة للمرأة العربية، التي أثبتت للعالم بان المرأة تستطيع بثقافتها وأخلاقها أن تصل إلى مراتب عالية وتساهم في بناء بلدها ومجتمعها.

لم اكتب هذا الموضوع لعرض سيرة نازك ولكني وددت أن القي تحية على روحها بمناسبة ذكرى رحيل احد أعلام العراق والوطن العربي.

لا تسعفني كلماتي أن استمر، وخير ما أودع به هو قصيدة" أنا" لنازك التي طالما تركت وقعا خاصا في نفسي.

أنـــــــا

الليلُ يسألُ مَن أنا

أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ

أنا صمتُهُ المتمرِّدُ

قنّعتُ كنهي بالسكونْ

ولففتُ قلبي بالظنونْ

وبقيتُ ساهمةً هنا

أرنو وتسألني القرونْ

                          أنا من أكون ؟

الريحُ تسألُ مَنْ أنا

أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ

أنا مثلها في لا مكان

نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ

نبقى نمرُّ ولا بقاءْ

فإذا بلغنا المُنْحَنَى

خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ

                          فإذا فضاءْ !

والدهرُ يسألُ مَنْ أنا

أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ

وأعودُ أمنحُها النشورْ

أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ

من فتنةِ الأملِ الرغيدْ

وأعودُ أدفنُهُ أنا

لأصوغَ لي أمساً جديدْ

                          غَدُهُ جليد

والذاتُ تسألُ مَنْ أنا

أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام

لا شيءَ  يمنحُني السلامْ

أبقى أسائلُ والجوابْ

سيظَلّ يحجُبُه سرابْ

وأظلّ أحسبُهُ دَنَا

فإذا وصلتُ إليه ذابْ

                      وخبا وغابْ