رسالة
عشق إلى بغداد ... منبع الجدود )القاهرة 5
يوليو 2010) كل إنسان له الحق أن يفخر
بنسبه وأصله، هذا طبعا تعبيرا عن الحب والإنتماء، ولكن ليس معنى ذلك أن يغلق
حدود هذا الإنتماء في دائرته القبلية أو حتى الإثنية أو العرقية. وفي المقابل
ليس معنى ذلك أن يمقت الإنسان حق
الافتخار بنسبه، بالتجاهل لأسباب هذا
الافتخار، مع التأكيد على أن لا يتصور
أن يعطيه هذا الحق فكرة التفرد بهذا الفخر عن غيره أو التعالي على الآخرين، لأن تاريخنا العربي
يزخر بالأمثلة للمواقف التاريخية
الناصعة لأجدادنا العرب في كل بقعة من هذا الوطن المترامي الأطراف، من
محيطه إلى خليجه. إضافة إلى أن هناك
معايير أخرى غير النسب تميز إنسان عن آخر والحكم هنا لتقييم إنسان ما وأفضليته
على غيره يحددها الآخرون وليس الإنسان
نفسه. وهنا أوافق الشاعر حيث قال
"لا تقل كان أبي بل قل ها أنا ذا" ما أردت أن أقوله في هذه
المقدمه القصيرة هي أن أبرر المشاعرالجياشة التي انتابتني عندما زرت العراق لأول
مرة، وكان ذلك في شهرمارس سنة 2003 ، أي قبل العدوان البربري الغادر
بأسابيع قليلة، وكانت زيارتي
استجابة لتلبية دعوة قدمتها لي الدكتورة منال يونس الألوسي رئيسة الإتحاد النسائي العراقي وهي دعوة قديمة
تأجلت لأسباب تخصني شخصيا مدة ثلاث سنوات. في الطائرة التي أقلتني من
مطار دمشق الدولي، في الجمهورية العربية السورية إلى مطار" صدام"
بجمهورية العراق، لم يكن زمن المسافة يتعدى الساعتين والنصف، ولكنها بالنسبة لي
كانت المخيلة تسبح في فضاء يتجاوز قرون من الزمن شعرتها وكأني أعيشها في
التو أقرأ تفاصيلها كاملة. إنها قصة الأجداد الذين هاجروا من موطن المنبع إلى جزئه المكمل، أي موطن
الإنطلاق وملحمة الكفاح المرير ضد الغزوات التي بليت بها بقاعنا. كان الزمن أثناء الرحلة ليلا وكانت الطائرة
مزدحمة، أي فلم نجد
مكانا لي وصديقة أخرى ترافقني إلا في
"الكابينة" ، أي بجوار
الطيارين ومعاونيهم. وكأن القدر قد رسم لي رحلة جسد ت أعمق مشاعر الشوق
لتلك الأرض الغالية، إنها سامراء أرض الجدود، هي أول ما وقعت عليها عيني، عندما
رأيت أنوارها تتلألأ و أخبرني الطيار أن مصدر هذه الأنوارهي سامراء. ورغم
استمراري في تجاذب الحديث و النكات مع
طقم الطائرة إلا أني لم أستطع أن أمنع دموعا حاولت جاهدة أن لا يراها أحد خوفا
من أن أجهش بالبكاء. لا أعلم بواعث هذه
المشاعر، هل هو الماضي البعيد الذي مازالت جذوره راسخة في أعماق الأرض. أو
الحاضر المشبع بالخوف والرجاء والفخر والغضب. هذه سامراء اليوم، بعد سبع سنوات من العدوان
البغيض، كغيرها من أراضي عراقنا الحبيب، مازالت تتعرض لأبشع جرائم العصر شمل الحجرو البشر، وأي حجر ذلك ؟ إنها الحضارة
بكل ماتعنيه، وأي بشر هؤلاء؟ إنهم علماء الأمة ومثقفوها. لم تطل إقامتي في العراق وقتها أكثر من أسبوع،
وإن تمنيت أن أقضي فيها زمنا تطول مدته، ولكن مراعاة لظروف المظيفين وكرمهم
المنقطع النظير أضطررت للمغادرة، وقد بعثت بعد عودتي من العراق برسالة للأخت
الدكتورة منال الألوسي ، أرسلها الآن، مرة ثانية باسمها لتشمل كل الوطن، عراقنا
الحبيب و لكل عراقي شريف أبى الضيم وأصر
على الذود عن كرامة الوطن بكل ما يملك من قوة مع اعتذارنا الشديد لعدم المقدرة
أو الأحرى معرفة كيفية مساعدته، وكم كنا نتمنى أن نسفك الدم بدلا عن الدموع
لتطهير هذه الأرض الغالية. وكانت الرسالة كالتالي: الأخت العزيزة
الدكتورة منال يونس االألوسي .. .. رئسة الاتحاد النسائي العراقي - بغداد سبقت عواطفي
مجيئي إليكم ، فكان الواقع مطابقا لما تصورت، صمود أسطوري وإرادة جبارة. جئت
إليكم مغمورة بالحزن والأسى كجسد الأمة المثخن بالجراح ، فسكبت إنجازاتكم
الشامخة معاني الحياة الكريمة على الوجدان لتخفف وطأة الألم وتعزز الشعور
بالأمل. في خضم هذا
الزمن العجيب تئن الأمة فرط همومها، ويدركها الهوان طوفانا لا طاقة لها به،
فتتفجر بداخلها براكين تتعدد فروعها المتوافقة أحيانا والمتناقضة أحيانا أخرى ،
فتصب غضبا في مجريات تكاد لا تلتقي نهاياتها، فيضاعف تناقضاتها قلق الإنسان
العربي على مستقبل هذه الأمة (قصدت هنا المكونات المذهبية والعرقية
والأيديولوجية في الأمة العربية وكيفية تفاعلها مع مجريات الأحداث ). وفي المقابل في
عراقنا الأبي، قلعة الأسود يضئ مصباح المجد طريق الكرامة، ليتضح للإ نسان العربي
أن هذه الأمة عصية على تحقيق مآرب الغزاة، وليعلم الأعداء أن الصمود والمقاومة
في العراق كما هو في لبنان وفلسطين، هو النموذج الأمثل لدحرهم، وقريبا بإذن الله
وإن تفاقمت الأخطاروعظمت التضحيات، سنشهد راية النصر ترفرف عالية. وأخيرا وليس
آخرا، إن كلمة شكر قليلة على أن أقولها
لكم على ما قدمتوه لي من حفاوة واهتمام، فلكم منا جميعا وافر الإمتنان والإعتزاز
بشعب أبي وقائد فذ لايقبل الهوان(طبعا المقصود هنا الرئيس صدام حسين) مع دعائي
أن يحفظفكم مؤيدين بالنصر إن شاء الله. أختكم الواثقة
بالنصر وإن طال الزمن مهرة سالم القاسمي
|
|