ماذا سيصطاد العراق؟

الشاعر العراقي فاضل السلطاني


ماذا سيصطاد العراقُ مبحرا من ألف عام؟
أوردةً مائية؟ لؤلؤةَ الأبناء
وهْيَ تغوص في القرار؟
قد عادت الدنيا، وما عاد العراق.
لا حدَّ يبدو وهو مبحرٌ.. ماذا سيصطادُ؟
أأسماكاً ترود البحرَ؟ بعضاً من محار؟
أحذيةً رماها الناس؟
أحذيةً وأوراقاً ترود البحرَ منذ ألف عام؟
أوردة الموتى شباكهُ..
أجسادنا المقطوعةُ الأعناق
سنارتهُ.. ماذا سيصطاد العراق؟
أوقيةً من الرمالِ، سلةً من الماء الفرات؟
في الضفة الأخرى تنام الكائنات،
وتولد الحياة
الله في المسجدِ، والحياةُ في الساقين
وهو مبحرٌ.. ماذا سيصطاد؟
أبصرةً أضلّت أرضها، وباعت زنجها؟
أصرخة من متنبّيٍّ بها الدنيا تنوء؟
آجرةً من منزل الخليفة المأمون
يجبلها ثانيةً؟
أبناؤه في الماء والسماء
موتى وأحياء يموتون.. منافٍ وترابٌ،
وهو مبحر.. ماذا سيصطاد؟
أنطفةً وطينةً ترودان المياه؟
أنطفة وطينة تريدان الحياة؟
`ـ من مقعدي النائي
أرى الموتى تقوم
تنفض عن أردانها
ترب القبور
كأنه يوم النشورـ
أأمواتاً وقد قاموا
خطوا على الرمال شيئاً
ثم عادوا.. كي يناموا؟

عد يا عراق.. أنت لست سيّدَ السفينة
ولا أميرَ البحرِ.. لا برجَ هناك
ولا سدَّ يردّ عنك المدّ.. عارٍ أنت مثل الموج
لا سحابةٌ تظلل الركب، ولا نجيمة تطلّ من سماك
لا مرفأٌ يناديك، ولا حوريةٌ تغنيكَ
ولا محارةٌ قد تحتويك.
الكل عاد
وأنت وسط البحرِ منذ ألف عام
ليس سوى عباءة القصب
تنشرها ساريةٌ
والريح تطويها، ويطويك التعب
أهذه يداك؟ أم لوحان من خشب؟
ين رميتَ برجَ بابلَ؟ وأيُّ ربٍّ اشتراهُ؟
وأين علقت مدائن الذهب؟
في أيما جيد قلادة موشاة؟
وأين نقشك الأولُ، والمسلة الأولى؟
وأين عشتار الحبيبة؟
أين أضعتها؟
في أيما سريرٍ ترقد الآن
ليولد الوحشُ الخرافيُ الرهيب؟


      * * *

إن العراق جاءَ..
والعراقُ قد ذهب
في سلمهِ وحربهِ
يعبّه الماءُ، وتلهو الريحْ
في ثوبهِ
ـ تظنه سارية ـ
حيناً، وحيناً تستريح
في قلبه.


       * * *  


ضلالٌ.. ضلالُ
تعاقب كلُ الزمان عليك
عرفناك ربّاً ووحشاً
وبيتاً ونعشاً
وكنت المسلاتِ عاليةً، والطحلبَ البابلي
سريراً من الطحلب البابلي؟
سريراً من الحجر السومري لكي تستريح؟
سريراً من العشب حيث قراح المياه؟
سريراً من الحبّ فالأرضُ ضيّقة؟
لك البحر متسعاً كالحياة
مساندَ من مدنٍ غادرتك الى البحرِ؟
(اجرِ الهوينا)
وسائدَ من كتب غادرتك الى النهرِ؟
هل عاد وجهك ثانيةً؟
خطوتان الى عشتروت
خطوتان الى الملكوت
أتدخله؟
ستبلغه وتموت..
سريراً من الحجر البابلي؟
سريراً من المسلات عالية؟
سلّم للصعود
خطوتان الى شقةٍ في السماء
أتدخلها؟
ستبلغها.. وتعود.
سعاتك منطلقون بعيداً
كأن الرياح وراءهمو
وأنت الذي كنتَ وحدكَ.. تبقى وحيدا
طريقٌ دقيقٌ من الأرض للبحر، والأرض مثلُ قراب السفينِِ
خذ من الماء وجهك.. أنت العراقُ
سحائب من ماء اهلك تجبلها كالعجينِِ
صحارى من الماء تشربها
وما هم؟ أنت العراقُ
أما كنت بوابةً للعبورِ الى اللهِ؟
سجادةً للمكانِ؟
صلاةَ الزمانِ وسكرتهُ؟
كم لبستَ من الثوبِ، والجوهرِ المستكينِ
                  
الجزائر 1985