حيـن تزحـف الرمــال

محسن الوكيلي

 

   ـ هل تأتي بجديد وهل يكون الجديد موتى هنا ومفقودين هناك؟

   ـ ربما، المهم أن شيئا جديدا يزحزح رتابة الأيام آتٍ.

    يحرّك عليّ رأسه قبولا وهو يتابع دقائق التفاصيل من الطّابق الأوّل.

       ينفخ الزمن من روح الأبد فتعلو رمال الصحراء أكثر، وعلى الأفق البعيد  ترتسم شامات عاصفة .

     يتابع عليّ السجلماسي من النافذة المعالم الأولى لعرس الصحراء وينتظر بشوق لقاء المدينة بالرمال متلهفا لوجه ينسيه نمطية الوجه العجوز.

    يقفل الملثمون عائدون تسبقهم قطعانهم التي تعرف طريقها إلى معاقلها، الأطفال يصرخون احتفالا وابتهاجا بالمشهد الجديد وانتقاما من جبروت الكبار، النساء يجمعن الملابس من سطوح المنازل المبنية من الطين والتبن وعرق الرجال حتى لا يجرفها التيار وتصاب الأسر في كسوة الأولاد والزوج.

   " حين تزحف الرمال على المدينة تصبح المدينة امتدادا للصحراء "

   هكذا يردد والد علي على الدوام :

   " الصحراء كالزمن تعبث بالوجوه و تلوي الأعناق "

  لمّت والدته الملابس من السطح. يسمع وقع أقدامها العجلى و يتابع أولى شطحات رؤوس النخيل تعلن بداية العناق. أدخلتِ الدجاجات إلى القن و تبادلت على عجل كلمات مع جاراتها اللائي يقمن بالشيء نفسه. قلن لها : هو ابن الصحراء و لا خوف عليه، يأتيك محمّلا سالما إن شاء الرحيم. غير أن الريح الآتية من عمقها جاءتها بالحدس الذي لا يخطئ.. برائحة الموت.

   شاهد آخر الأحياء يهرعون إلى منازلهم عبر الأبواب القصديرية المصطفة على امتداد الزقاق المترامي والمرتعدة محدثة الصدى العنيف الذي غدا طقسا معتادا من عرس الرمال، وبضعَ دجاجات تائهة تنحشر بين أكوام الخردة المتراكمة منذ سنين.. ثم تابع الرمال تُزِيل عن المدينة صفو سماءها.

    امتدت يد عائشة الصنهاجي من خلف، أمسكت بعنقه الصحراوي اللون والقد، طرحته على الحصير، وبسرعة البرق فتحت النافذة وأحكمت إغلاق السجائف ثم أوصدت الزجاج.

   ـ قلت ألف مرة أن أغلق السجائف عند كل عاصفة.

   صلّت عائشة كثيرا لعودة القافلة وحلم عليّ بركوب موج الريح والسفر مع العاصفة، بزيارة بلدان الأرض، بلدا بلدا، غير أن أحلام الريح والبلدان انتهت مع ضياع أيام المدينة في لياليها...

 

    بحثوا فلم يجدوها، نظروا إلى عيون بعضهم البعض: هل أخطئوا الطريق التي قطعوه مئات المرات..؟.

   وخز أيمن السجلماسي جمله فمشى به نصف ميل ثم توقف.

  أدرك أيمن أنه يقف فوق بيته، أن المدينة قد قُبِرَتْ تحت رمال الصحراء.

 

Mohsine Loukili

Mohsin_bayan_02@hotmail.com

مساء يوم 24/10/2009