بين الأسرة والمجتمع إعداد: سهام
نجم مقدمة: المعيار الأساسي لثقافة الطفل ينبع
بالدرجة الأولى من مؤسسة الأسرة حيث أن الثقافة بما تعنيه من تنشئة اجتماعية تحتل
مكانه هامة خلال سنوات الطفولة وصولا إلى سن الرشد ، فخلال هذه السنوات الحاسمة تتم
عملية الانتماء الاجتماعي بخصائصها الأساسية، كما تتشكل الهوية الذاتية الذي يلعب
المحيط الاجتماعي بمختلف تنويعاته ووسائله الدور الحاسم فيها. وتتعدي الثقافة الهوية
إلى تكوين الشخصية بمجملها وتحدد السلوك وتوجهاته وذلك من خلال متابعة وتوجيه عمليات
النمو في مختلف أبعادها العاطفية والمعرفية والاجتماعية والسلوكية، وثقافة الطفل
العربي لا يجب أن ينظر إليها باعتبارها عملية
للارتقاء الفكري وتهذيب الحواس فقط، ولكن الأهم هو الإعداد للمستقبل، والصناعة له
من خلال إعداد أجيال الغد والذين هم رهن بعملية التنشئة ومدى العناية التي تعطي لها
ونوع التوجهات الأساسية التي تتخذها. ومن هنا تمثل تحديد أهداف التنشئة أهمية إستراتيجية
تتمثل بالسؤال: أي مستقبل نريد؟ إن التركيز عل الهوية الوطنية و خلق
المستقبل المأمول لطفل منتمي عروبيا، يعتمد في الاساس على مدى الاهتمام بثقافة الطفل في الوطن العربي، لذلك لابد من الأخذ
في الاعتبار أهمية التنشئة الثقافية للطفل على أسس علمية وتحديد خياراتها بعناية
فائقة. ويزداد الإلحاح على هذه القضية مع تصاعد حملات الغزو الثقافي للعالم وعمليات
التغريب التي تتخذ مسالك عدة. تتعدد المؤسسات العاملة في نقل ثقافة
المجتمع إلى الطفل وتتوزع داخل تلك المؤسسات الأدوار فتتكامل وتتصارع وقد تتناقض
وأهم تلك المؤسسات هي مؤسسة الأسرة حيث أنها المؤسسة الأكثر تشعبا وتداخلا والركيزة
الأولى في عملية التنشئة الشاملة للطفل. ويبرز دور الأسرة من خلال عملية التوجيه
الواعي العقلاني كغرس القيم والعادات والمعايير والأخلاق والنظرة إلى الذات والأهل
والأقارب، والموقف من المؤسسات الاجتماعية وقضايا المجتمع الحيوية، والمثل العليا
الملزمة، كذلك تتدخل الأسرة من خلال الممنوعات والمحرمات والمحظورات وكلها تكسب طابع
الإلزام الواعي لقاء إكساب الطفل العضوية الاجتماعية والاعتراف به وقبوله وتحدد توجهاته
نحو ذاته والآخرين والعالم. وتقوم الأسرة كذلك بتغذية الطفل بالتوجيهات الاجتماعية
والثقافية والسياسية والوطنية التي تتبناها وتنقلها إلى أبنائها كموقف مطلوب ومرغوب
لتحديد الهوية الأسرية، كذلك تقوم الأسرة ، وتحديدا الأم، بمتابعة وضبط صحة الطفل
وتغذيته وصحته النفسية، والتي تتوقف إلى حد كبير على العلاقة داخل الأسرة بين الوالدين
من ناحية، وبينهما وبين الأبناء من ناحية ثانية. كذلك يساهم المناخ الثقافي للأسرة،
والذي يتحدد انطلاقا من المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للأسرة، و يحدد
هذا المناخ مستوى نمو القدرات المعرفية ومصيرها فمن خلال غناها تغرس بذور الغنى الداخلي
لعالم الطفل المعرفي وتوجهه وقد يصل إلى خلق حالات التفرد والإبداع بناء على طلاقة
ذهنية وحصيلة معرفية ثمينة ومتنوعة . ومن هنا يتضح جيدا دور الأسرة ( الأم
و الأب) كمساهم طبيعي في تشكيل إما طفل فاعل ومتفاعل خلاق ومبدع أو طفل مسيطر عليه
العقلية الذهنية الخرافية الانفعالية في التعامل مع المجتمع والعالم وحقائقها مع
تعطيل نموه العقلي. وكذلك تقوم الأسرة بدور هام وحيوي
في نقل التعاليم والشعائر والطقوس الدينية والاحتفال بها في مناسباتها وأعيادها وتبني
رموز ومواقف دينية لدلالة هذه التعاليم والتي تساهم في إنمائها لدي الطفل بجانب الأسرة،
المدرسة ودور العبادة لبلورة الأفق الروحي والذهني والوجداني للطفل. و تكمن الخطورة
الشديدة من إغفال هذا الجانب في وقوع الطفل عندما يدخل مرحلة الشباب، في تخبط شديد
لاستيعاب هذه المفاهيم والقيم الدينية، وذلك نتيجة سيطرة رافد ثقافي ديني واحد فقط
عليه دون تفاعل جميع المؤسسات والروافد الأخرى. وعندما نعاود طرح التساؤل السابق:
أي مستقبل نريد؟ نجد أن جوهر الإشكالية هو عدم ربط ثقافة الطفل، وبالتالي توجهاته الأساسية وغرائزه الطبيعية وسلوكه،
بقضايا مجتمعه ووطنه العربي. هذا، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
والسياسية التي تعاني منها كثير من البلدان العربية تجعلنا نقول أن الطفولة في الوطن
العربي تعاني الأزمات العارضة والمزمنة في أن واحد لأن الأولي والتي تتسم بتصاعدية
الحركة تظهر في سياق الانتقال من طور إلى طور بينما الأزمات المزمنة بحركتها الدائرية
وثباتها النسبي وتجدد مظاهرها وأعراضها تصبح حالة مستقرة لا تؤدي في النهاية إلى
تخلف مرحلة انتقالية فقط ولكن أيضا تخلف حضارة ومجتمع ولست متشائمة ولكن الواقع الاستقرائي فرض نفسه
وبحده وأصبح الأمل هو أن نخوض الدور التطهيري لهذه الأزمات سواء العرضية أو المزمنة
بمفهوم واسع وشامل ومعبأ لكل احتياجات الطفل ومتطلباته وربطها بقضايا المجتمع الآنية
والمستقبلية. إن استيعاب وفهم التحولات في حياة
الطفل يشكل لب إشكالية ( التربية والثقافة) حيث أنهما وجهان لعملة واحدة. من هنا
نشير إلى أهمية إيجاد علاقة جادة وفاعلة بين مؤسسة الأسرة والمدرسة وليس كافيا أن
تصبح مجالس الآباء بالمدارس هي العلاقة الوحيدة .حيث أن المدرسة كمؤسسة تربوية وتعليمية
تقوم بالتوجهات الفكرية والعقائدية والسلوكية والتاريخية من خلال المناهج الدراسية
فإذا حددنا الإجابة على نفس التساؤل: ما هو المستقبل الذي نريده للطفل؟ تصبح هذه
المناهج هي أساس تشكيل الدوافع وتوجهات الطفل من سن السادسة (الطفل التلميذ) إلى
أن يصبح شاب ورجل المستقبل وتتعدد وسائل إنتاج ثقافة الطفل ويتعاظم دورها الرسمي
وغير الرسمي . وتشكل العلاقة الطردية بين سن الطفل وتعاظم دور تلك المؤسسات الضاغطة
على عقلية وثقافة وتشكيل مهاراته، أزمة حادة للأسرة قد تصل إلى تشكيل علاقة مضادة،
حيث أن بعض المؤسسات غير خاضعة لرقابة الجهاز الرسمي (مصانع ومحلات لعب أطفال ـ نوادي
فيديو جيم ـ محطات أقمار صناعية) تقوم هذه المؤسسات بتصدير مهارات للطفل وتبني سلوكيات
وإنتاج سلع متعلقة بتغذية دافع العنف والتخريب فتشكل توجهات طفل وعقليته وبالتالي
ثقافته نحو العنف على حساب الثقافة الاجتماعية والبيئية والرياضية والعلمية والإنسانية. وتأتي وسائل الإعلام المرئي والمسموع
في المقام الأول حيث أنها ذات تأثير شبه كاسح من خلال ما تحمله من إشباع احتياج الخيال
وعند الطفل بالإضافة إلى التنوع الكبير في موضوعاتها (من معارف، مغامرات، موسيقي،غناء،
ألعاب، مسلسلات، سينما الطفل،المسرح) أما بالنسبة لسينما الطفل ( الكارتون، العرائس،الأفلام) تكاد
فائدتها تكون معدومة فرغم امتلاكها لأحدث الأجهزة إلا أنها للأسف الشديد تستخدم للإنتاج
الإعلاني أكثر من أن توجه إنتاجها لتقديم مادة ثقافية علمية تربوية بشكل مبهر، وعلى
حد قول د . روجر، الناقد السينمائي البريطاني "إن سحر الأفلام على الأطفال موضوع
دائم للتعقيب ذلك لأن من الطبيعي أن تلقي الصورة المتحركة من الطفل إعجابا يفوق القصة
التي تفتقد حكايتها على كلمات وحوار فقط، لأن في الكلمات على الدوام قدرا من الصعوبة
لدى الطفل وخاصة إذا كان مستواه في القراءة ضئيلا ومن هنا تأتي أهمية السينما في
حياة الطفل للطبيعة الحركية والتي يتميز بها الفن السينمائي والتي تمكنه من التفوق
على غيره لأن الحركة بالنسبة للطفل هي كل شئ في حياته. وتأتي المجلات والكتب في المقام الثاني
من حيث الأهمية في وسائل نقل وإنتاج الثقافة إلى الطفل من قصص على اختلاف أنواعها
وموضوعاتها مثل: خرافية، أساطير، أبطال، مغامرات. كذلك شرائط مصورة ومجلات وموسوعات
علمية، مثل: عالم التكنولوجيا، الحيوان ،الطبيعة. ومع أن الجهد المطلوب فيها أكبر،
والإثارة البصرية السمعية أقل إلا أنها تمتاز عن الإعلام المرئي في قدرتها على سيطرة
عقلية الطفل عليها بشكل نشط حسبما يرغب وبالطريقة التي يريدها وتعتبر ألعاب الطفل
من أهم هذه الوسائل الثقافية لأنها تشعر الطفل بأهميته وقدراته وبالذات إذا كانت
الألعاب ذات الطابع الاستقلالي التي تكرس عالم السهولة وهي تجارة رائجة تدر الربح
الوفير بالإضافة إلى أنها تعفي الأهل من جهد متابعة أبنائهم في ألعاب تربوية مما
يزيد الإقبال على شرائها وتقديمها لهم. كذلك تأتي الفنون على اختلافها التشكيلية
منها (الرسم ـ اللون ـ الزخرفية) والإيقاعية (الغناء والموسيقي) لهذه أيضا دور هام
ونشط في بناء ثقافة الطفل خاصة لما تثيره من متعة الإيقاع والشكل واللون وإعادة إنتاجها
والمشاركة في إنتاجها. |
|